الغش التجاري من المحرمات الكبائر بالاجماع في الجملة. لأنه من الخيانة التي نهي الله عنها في قوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم" "الأنفال: 27. 28". وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة. أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - مر علي صبرة طعام. فأدخل يده فيها. فنالت أصابعه بللاً. فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام". قال: "أصابته السماء يا رسول الله. فقال صلي الله عليه وسلم: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني". وفي رواية: "من غشنا فليس منا".
يجب علي كل من يعرف هذا الغش - معرفة حقيقية وليست معرفة متوهمة - ان ينصح صاحبه برفق حتي يمتنع عنه. لما أخرجه مسلم من حديث تميم الداري. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة". فإن تمادي الغاش في غشه. ولم ينتفع بالنصيحة. وجب علي من يعلم بحاله أن يكتب إلي الجهات الإدارية والرقابية. ليدلهم عليه. كما يجب عليه ان ينصح المغرورين به. وأن يمتنع عن التعامل التجاري معه تعبيراً عن الحد الأدني للانكار علي صاحب المنكر. لما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان".
إذا سكت العارف بالمنكر عليه دون انكاره بحسب أوجه الاستطاعة الممكنة فهو آثم. لأنه صار كالشريك في ارتكاب هذا المنكر. كما ان السكوت عن المنكر استخفافاً به أو خوفاً من صاحبه سيؤدي إلي شيوعه وانتشار الفوضي. وقد قال تعالي: "إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" "النور: 19".
قد توعد الله الساكتين عن الحق بالعقاب الشديد. فقد أخرج أحمد وأبوداود والترمذي وحسنه من حديث حذيفة بن اليمان. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعون فلا يستجاب لكم".
قد أخرج الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسي ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة. فنهاه الناهي تعزيراً. فإن كان من الغد جالسه وواكله وشاربه. كأنه لم يره علي خطيئته بالأمس. فلما رأي الله تعالي ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم علي بعض. علي لسان داود وعيسي بن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر. ولتأخذن علي أيدي المسيء. ولتأطرنه علي الحق أطرأ. أو ليضربن الله بقلوب بعضكم علي بعض ويلعنكم كما لعنهم".